تهجير الفلسطينيين- رفض عربي قاطع وتمسك بالحل العادل والدولة الفلسطينية

المؤلف: فارس الخطاب09.19.2025
تهجير الفلسطينيين- رفض عربي قاطع وتمسك بالحل العادل والدولة الفلسطينية

خلال اجتماع هام عُقد في القاهرة مطلع شهر فبراير/شباط الحالي، أكدت ست دول عربية قاطبة رفضها القاطع والمطلق لأي مخططات أو مقترحات تستهدف "تهجير الفلسطينيين" قسرًا من أراضيهم، وتحت أي ذريعة أو ظرف كان.

هذا الاجتماع الرفيع المستوى، الذي ضم وزراء خارجية كل من جمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ودولة قطر، بالإضافة إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام لجامعة الدول العربية، جاء كرد فعل حاسم على الدعوة التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي تقترح تهجير سكان قطاع غزة الفلسطيني إلى الأراضي المصرية والأردنية.

وفي رسالة بالغة الوضوح والقوة من الدول العربية الست، شدد البيان الختامي الصادر في ختام اجتماع القاهرة على ضرورة أن تسعى الإدارة الأميركية جاهدةً لتحقيق الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي وفقًا لمبدأ "حل الدولتين"، باعتباره السبيل الأمثل لتحقيق السلام الدائم والمستدام في منطقة الشرق الأوسط.

إن موضوع الدعوة إلى "تهجير الفلسطينيين" ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى جذور الصراع الممتد لأكثر من سبعة عقود بين الجانب العربي-الفلسطيني وإسرائيل، التي تحتل بوحشية كافة الأراضي الفلسطينية، وهضبة الجولان السورية، وجبل الشيخ، ومناطق أخرى واسعة من الأراضي السورية.

فمنذ النكبة عام 1948، لم تتوقف المحاولات اليائسة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، سواء من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة، أو من قبل بعض الدول الأخرى، وكل مرحلة من مراحل هذا الصراع المرير كانت تهدف إلى تقويض الوجود الفلسطيني الأصيل على أرضه التاريخية، وكانت تُطرح تحت ستار مبررات زائفة، وتسعى إلى الحصول على دعم دولي وإقليمي من خلال حملات إعلامية وسياسية مكثفة؛ فتارةً تكون طلبات التهجير بدوافع أمنية أو سياسية مزعومة، أو غيرها من الذرائع الواهية، إلا أن الموقف الفلسطيني والعربي والدولي كان دائمًا وأبدًا هو الرفض القاطع لهذه المخططات الخبيثة.

وعلى الرغم من مساعي إسرائيل الحثيثة خلال حرب عام 1948 لتهجير ما يقرب من 750 ألف فلسطيني من ديارهم وقراهم، نتيجة للعمليات العسكرية الإجرامية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية المسلحة آنذاك، والتي أدت إلى تدمير المئات من القرى الفلسطينية وتهجير أهلها قسرًا، ظلت قضية اللاجئين الفلسطينيين منذ ذلك التاريخ تمثل مشكلة إنسانية وسياسية دولية كبرى، لاقت رفضًا واسعًا من المجتمع الدولي، على الرغم من الضغوط الهائلة التي مارستها القيادات الصهيونية آنذاك لمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وقد تجسد هذا الرفض الدولي في إصدار الأمم المتحدة للقرار رقم 194، الذي يؤكد بشكل قاطع حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وهو القرار الذي لم يتم تنفيذه حتى الآن بسبب التعنت الإسرائيلي.

وبعد حرب الأيام الستة في عام 1967، والتي احتلت خلالها إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، أدت هذه الحرب العدوانية إلى تهجير ما يقرب من 245 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأردن، بالإضافة إلى تهجير نحو 11 ألفًا من قطاع غزة إلى مصر، و116 ألف فلسطيني وسوري من مرتفعات الجولان إلى سوريا، باعتبار أن هذه الدول تشكل امتدادًا جغرافيًا طبيعيًا للمناطق المحتلة.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، وخلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993)، تصاعدت الدعوات المشبوهة من قبل بعض السياسيين الإسرائيليين المتطرفين لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان من أبرز الداعين إلى ذلك السياسي الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي، الذي اقترح صراحة "ترحيل" الفلسطينيين إلى دول عربية أخرى.

إلا أن هذه الدعوات العنصرية قوبلت بانتقادات حادة وواسعة النطاق من المجتمع الدولي، وتم رفضها بشكل قاطع من قبل الدول العربية. ثم جاءت اتفاقيات أوسلو الموقعة في 13 سبتمبر/أيلول 1993، لتؤكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية المعقدة من خلال المفاوضات السلمية، وليس عن طريق "التهجير القسري" الذي يتعارض مع كافة القوانين والأعراف الدولية.

وفي قمة بيروت العربية عام 2002، تبنت الدول العربية مبادرة السلام العربية الشاملة، التي طرحها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عندما كان وليًا للعهد، والتي تهدف إلى تحقيق السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة معترف بها دوليًا على حدود عام 1967، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من هضبة الجولان السورية المحتلة، مقابل اعتراف كافة الدول العربية بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.

إلا أن الرد الإسرائيلي على هذه المبادرة التاريخية، والذي جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون، كان هو الرفض القاطع والمطلق للاقتراح، بدعوى أنه يتطلب من إسرائيل قبول عودة أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، وأنه يتجاوز "الخطوط الحمراء" الإسرائيلية المزعومة.

إن قضية التهجير القسري للفلسطينيين من ديارهم ووطنهم الأم تمتد فصولها المأساوية منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، وغالبًا ما تنطلق دعوات التهجير من قبل سياسيين إسرائيليين وأميركيين متطرفين، يتبنون رؤى عنصرية واستعلائية.

وعلى الرغم من أن اللاجئين الفلسطينيين يتمتعون بحق أصيل في العودة إلى ديارهم التي هُجروا منها قسرًا، بموجب القرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، بالإضافة إلى ميثاق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لعام 1950، ومعاهدة أوضاع اللاجئين لعام 1951، إلا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تتجاهل بشكل صارخ كل هذه القوانين والقرارات الدولية، وتسعى جاهدة لتحقيق هدفها الخبيث المتمثل في إخلاء أرض فلسطين من أهلها الفلسطينيين الأصليين.

وقد حاول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خلال ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021، أن يحقق الهجرة المطلوبة إسرائيليًا للفلسطينيين من خلال ما أطلق عليه زورًا وبهتانًا "صفقة القرن"، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق هذا المخطط الشيطاني خلال سنوات رئاسته.

ولكن حرب غزة الأخيرة، التي استمرت قرابة 15 شهرًا، وضعت هذا الموضوع المشبوه على رأس أولوياته خلال الفترة الرئاسية الحالية، فأطلق مقترحه المثير للجدل، والذي يقضي بنقل الفلسطينيين قسرًا من غزة والضفة الغربية المحتلة إلى مصر والأردن المجاورتين تحت أي ظرف من الظروف، في سلوك يتنافى تمامًا مع كافة الأعراف الدبلوماسية والقواعد القانونية الدولية المتعارف عليها والمعتمدة في جميع أنحاء العالم.

الأمر الذي استدعى ردًا حاسمًا من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين، حيث أكد الرئيس المصري خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الكيني وليام روتو، أن مصر لن تشارك بأي حال من الأحوال في تهجير الشعب الفلسطيني، معتبرًا ذلك "ظلمًا تاريخيًا لن تسمح مصر بتكراره إطلاقًا"، وأضاف قائلًا: "لا يمكن التساهل أو السماح بتهجير الفلسطينيين، نظرًا لتأثيره الخطير على الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي"، مشيرًا إلى أن "ما حدث منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى الآن، هو نتيجة حتمية لتداعيات عدم التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية العادلة."

من جانبه، أكد الأردن على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي، أن "موقف الأردن الثابت والراسخ من قضية تهجير الفلسطينيين، هو موقف لا يقبل المساومة ولا التغيير، وضروري لتحقيق الاستقرار والسلام المنشود الذي نسعى إليه جميعًا". وأضاف أن "تثبيت الفلسطينيين على أرضهم هو موقف أردني ثابت وراسخ لن يتغير أبدًا، وأن حل القضية الفلسطينية يجب أن يكون في فلسطين، والأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين."

صحيح أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يلجأ إلى التهديد بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على الدول التي ترفض مقترحه المشبوه، وخاصة مصر والأردن اللتين تعانيان من أوضاع اقتصادية صعبة، إلا أن قوة الموقف الذي تتخذه الدول الحليفة لواشنطن، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا، ستُبقي أبواب الحوار والتواصل مفتوحة مع البيت الأبيض، وستمنع اتخاذ أي إجراءات عقابية.

وبالتالي، فإن لغة المصالح المشتركة، إذا ما أُحسن استغلالها وتوظيفها جنبًا إلى جنب مع الكم الهائل من المطالبات الدولية الداعمة لحل الصراع العربي الإسرائيلي عبر بوابة "حل الدولتين العادل والشامل"، يمكن أن تمنح الرئيس ترامب رؤية أكثر وضوحًا وعقلانية، تدفعه إلى التراجع عن مقترحه المتهور، واستبداله بدعوة جادة لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار قطاع غزة المدمر.

إن مواقف الدول العربية الرافضة بشكل قاطع لفكرة تهجير الفلسطينيين التي اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والقاضية بتهجير أهالي قطاع غزة إلى مصر والأردن، تشير بوضوح إلى وحدة الصف العربي، واستناد هذا الموقف إلى مرجعيات قانونية وسياسية وأخلاقية راسخة، كما تؤكد أن الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية يجب أن يتم عبر المفاوضات السلمية الجادة، ووفقًا للقرارات والاتفاقيات الدولية، مع الاحترام الكامل لحق الفلسطينيين الأصيل في العودة والعيش بحرية وكرامة على أرضهم التاريخية، وقد وصل هذا الموقف العربي الموحد بوضوح تام إلى البيت الأبيض في واشنطن، وإلى رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

واللافت للانتباه في الموقف العربي الموحد، أن بعض الدول العربية التي لا تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، قد أبدت استعدادها لإقامة علاقات طبيعية معها، شريطة قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، كالجزائر مثلًا، التي أكد رئيسها عبدالمجيد تبون، أن بلاده على استعداد لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في اليوم الذي يتم فيه إعلان قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة.

وفي المقابل، تتراجع فرص التطبيع بين الرياض وتل أبيب، التي سعى إليها الرئيس ترامب باستماتة خلال ولايته الأولى، لعدم تحقيق ما طلبته المملكة العربية السعودية بشأن حل الدولتين العادل، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.

وختامًا، يمكن القول أن الموقف العربي الراهن يتبنى اتجاهين رئيسيين: الأول هو الرفض القاطع والمطلق لتهجير الفلسطينيين من أرضهم ووطنهم الأم، والثاني هو فتح آفاق السلام والسلم العالمي والإقليمي من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على كامل ترابها الوطني بحدود ما قبل حرب الأيام الستة في عام 1967، وتحقيق تطبيع عربي شامل وكامل مع دولة إسرائيل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة